قد يكون من المدهش حقاً أن اضطراب الغدد التي تؤثر في جسم الإنسان لا يرتبط بالحالة النفسية للإنسان، بل على العكس تماماً فإن اضطراب الحالة النفسية لدى المريض غالباً ما يؤدي إلى اضطراب الغدد ـ وخصوصاً الدرقية منها ـ وفي حال ازدياد نشاطها أو نقصانه فإنها ربما تؤدي إلى اضطراب في الحالة النفسية لدى المريض.
وهناك نوعان من الغدد في جسم الإنسان، فهي إما غدد صم أو غير صم، ما عدا البنكرياس الذي يمثل الاثنين.
وبالنسبة للغدد الصم فهي تفرز هرمونات تؤثر على الجسم ككل، وفي بعض الأحيان على أجزاء معينة منه، ويكون تأثيرها على تلك المناطق عن طريق الدم؛ لأنها تصل إليه مباشرة ودون وسيط.
أما الغدد غير الصم فهي تختلف عن الصم في أن لها قنوات ـ تعتبر وسيطاً ـ توصل العصارة التي تفرزها إلى المناطق التي تؤثر فيها.
وتنتشر الغدد الصم في أنحاء الجسم المختلفة، وهي صغيرة نسبياً، ولا يمكن رؤيتها؛ لأنها توجد داخل الجسم، عدا الدرقية فهي الوحيدة التي يمكن رؤيتها، وذلك عندما تكبر لأي سبب مرضي.
كما أن هنالك جارة الدرقية، التي تقع خلف الدرقية، وهي صغيرة الحجم، ولكنها تكبر أحياناً، ورغم ذلك لا ترى بصورة واضحة.
وهنالك الغدة النخامية ، التي تقع خلف عظمة الجبهة فوق مستوى الأجفان، وهي عبارة عن قطعة متدلية من أسفل المخ.
بالإضافة إلى الغدة النخامية التي تفرز مجموعة هرمونات، بعضها يؤثر على الجسم بصورة عامة، ومنها هرمون يؤثر على عملية النمو، وآخر يؤثر على مستوى الصوديوم والسوائل في الجسم، ومن وظائفها أنها تفرز هرموناً ينظم عمل الغدة الدرقية والتاجية والغدد التناسلية، ولذلك فإن أي اضطراب فيها يمكن أن يؤثر على تلك المواقع الأربعة.
اضطراب الغدد
ولكل غدة من الغدد نفع ودور مهم في جسم الإنسان، وليس هنالك أي ضرر منها إذا كانت في حالتها الطبيعية، ويكون الضرر فقط في حالة اضطرابها.
وليس هناك تأثير كبير للبيئة في ذلك، عدا الماء، فالمناطق التي تنقص فيها نسبة اليود في الماء تكثر فيها أمراض الغدة الدرقية؛ وذلك لعدم توفر اليود بالكميات التي تكفي لتكوين الهرمون لها، ما يؤدي إلى نقص في كمية الهرمون، فيصاب الإنسان ـ نتيجة ذلك ـ بضعف في عمل الغدة الدرقية.
أما بالنسبة لعامل الوراثة، فنجد أن الغدد الصم ـ وتحديداً الدرقية ـ تتأثر وراثياً، فهنالك بعض الأسر تكثر لديهم اضطرابات الغدة الدرقية، سواء تمثل ذلك في زيادة نشاطها وحجمها، أو العكس؛ بأن يكون لديهم ضعف في نشاطها.
كما أن اضطرابات البنكرياس (مرض السكر) ـ والذي يسببه نقص في هرمون الأنسولين ـ من الممكن أن نجده يكثر في بعض الأسر دون غيرها، ولكن لا يعتبر ذلك عملية وراثية مباشرة، بل يكون أفراد تلك الأسر أكثر قابلية من غيرهم للإصابة بهذا المرض.
وفيما يختص بالجانب النفسي، فيمكن القول : إن العامل النفسي ليس لديه تأثير كبير على اضطراب الغدد، ولكن اضطراب الغدد ـ وخصوصاً الغدد الدرقية في حالة ازدياد نشاطها ـ ربما يؤدي إلى اضطراب في الحالة النفسية لدى المريض ويزيد من انفعالاته، فيكون سريع الغضب، ويبدو عليه القلق دائماً، فتراه أحياناً يبكي لأتفه الأسباب، وأحياناً يفرح، ونلاحظ عليه ازدياد حالة الخفقان ورجفة في أطراف يديه.
الجوانب الخَلقية
تمر الهرمونات بمراحل متعددة لإنتاجها، وفي بعض الأحيان يكون هنالك نقص في أحد الإنزيمات ـ أو أكثرـ التي تنقل تلك الهرمونات من مرحلة إلى أخرى.
ويتفاوت ذلك النقص من شخص إلى آخر، وتظهر آثاره بعد الولادة، أو في أثناء حياة الإنسان، ولذلك نجد الأطباء ـ في ظل التقدم العلمي الحالي ـ أصبحوا حريصين على عمل تحاليل طبية سريعة للأطفال بعد الولادة مباشرة للغدة الدرقية؛ لتلافي تلك المشكلات التي تظهر بعد ذلك، مثل تأخر حالات البلوغ، ونقص في هرمون النمو، إذ نلاحظ أحياناً أن نمو الطفل غير طبيعي.
هذه الحالات ليس السبب الوحيد لها اضطراب الغدد، بل ربما تكون هنالك أمراض أخرى، بيد أنه من الممكن أن يكون هو أحد تلك المسببات.
وفي بعض الأحيان يمكن وقاية أنفسنا من أمراض الغدد، كحالة مرض السكر، فمن الممكن أن يكون الإنسان أكثر قابلية للإصابة به؛ لعامل الوراثة، إذ يكون ذلك المرض متوارثاً في الأسرة، فيحاول الشخص تجنب تناول السكريات، أو التقليل من تناولها، مع الحرص على ممارسة التمارين الرياضية، والمحافظة على الوزن، وبذلك يقي نفسه، أو على الأقل يؤخر الإصابة به.
كما أن هنالك بعض المناطق بها نقص في مادة اليود بالماء، وسكان تلك المناطق تجب وقايتهم؛ وذلك بإضافة اليود للماء، أو الخبز الذي يتناولونه، أو الملح وهو أنسب شيء يمكن إضافة اليود إليه.
تلك هي أمراض الغدد التي يمكن الوقاية منها، أما باقي اضطرابات الغدد فمن الصعب الوقاية منها أو منع اختلال نشاطها.
الغدد والسرطان
كما أشرنا سلفاً فإن الغدة الدرقية هي الوحيدة التي يمكن رؤيتها بصورة واضحة، أو تظهر التغيرات عليها، لذلك ارتبطت بالسرطان، لكن في الحقيقة كل الغدد يمكن إصابتها بالأورام السرطانية، إذ نجد بعض تلك الأورام يرتبط بخلايا تفرز هرمونات، وأحياناً بخلايا ليس لها علاقة بإفراز الهرمون.
وتؤثر أورام الغدد الصم على الجسم بحجمها أو وظيفتها؛ وذلك لتسببها في اختلال نسب إفراز الهرمونات في الجسم، فهي إما أن تؤدي إلى زيادة في إفرازه أو نقصان فيه، فورم الغدة ـ وهو ورم في الخلايا التي تفرز الهرمون الحليبي ـ مثل هذا الورم يؤدي إلى ارتفاع في نسب إفراز الهرمون ما يؤثر على الخصوبة والرغبة الجنسية عند الرجل والمرأة، كما أنه عندما يكبر الورم يضغط موضعياً ـ عن طريق حجمه فقط ـ على الخلايا الأخرى للغدة النخامية ما قد يؤثر على وظائفها، وتبعاً لذلك يتأثر الجسم من نقص في إفراز الهرمونات من هذه الخلايا.
لكن الغدة الدرقية لا تسبب خطورة على المرأة الحامل إذا استشارت الطبيب؛ لأن العلاج ضروري ـ ولاسيما في تلك المرحلةـ؛ وذلك من أجل سلامتها وسلامة الجنين.
فقد أثبتت الدراسات أن الجنين في مراحل الحمل الأولى يحتاج إلى الثايروكسين القادم من الأم لنمو الدماغ.
لذلك في حالة كسل الدرقية عند الأم الحامل ـ ولأن الكسل يزداد مع الحمل ـ يجب عليها مراجعة الطبيب، والمواظبة على تناول العلاج، والتأكد من أن مستوى الهرمون طبيعي، علماً بأن العلاج ليس لديه أي تأثير سلبي على الحمل.
أما إذا كانت المرأة الحامل تعاني زيادة في نشاط الغدة الدرقية، وتتعاطى عقاقير لتقليل ذلك النشاط، مثل Carbimazooleأو Inderal ففي مثل هذه الحالة يجب على المرأة استشارة الطبيب قبل الحمل؛ لأنه من الممكن أن تؤثر تلك العقاقير على الجنين، وغالباً ما ينصحها الطبيب بتأخير الحمل إلى أن تستقر حالتها، ويستقر مستوى نشاط الغدة عندها، أو يقلل لها من الجرعات.
أما إذا حصل الحمل دون سابق علم أو تخطيط، وكانت المرأة تتعاطى عقاقير علاج الغدة الدرقية النشطة، فيجب عليها بسرعة مراجعة الطبيب؛ لأنها لو تأخرت في ذلك تؤثر على نشاط الغدة الدرقية عند الجنين؛ لأن كل ما تتعاطاه الأم يصل إليه عن طريق الدم.
ولا تسبب الغدة الدرقية جحوظ العينين، بل إن ذلك يسببه مرض Graves Dieses، وهو يعتبر الأساس في نشاط الغدة الدرقية ويؤثر ذلك على النظر.
ويصاب الإنسان بهذا المرض نتيجة ترسب مادة في عضلات العيون التي تتحكم في تحركها، وتؤدي إلى تضخم تلك العضلات والتي تدفع بدورها العين إلى الخارج.
وقد ينتج عن تأثيرها على حركة عضلات العينين اضطراب النظر في جهة من الجهات، وازدواجية في النظر، إذ يرى الإنسان الشيء الواحد اثنين، كما يؤدي إلى تعرض العيون للإصابة بالأمراض، مثل الجفاف.
علاج الغدد
ويختلف العلاج بالنسبة للغدد من غدة إلى أخرى بحسب نوعيتها ونوعية المرض، ولكن إذا ثبت بالتشخيص أن هنالك ورمًا، ومن الممكن أن يشكل خطراً على حياة المريض، في مثل هذه الحالة يجب الاستئصال وإزالة الورم من أجل سلامته.
أما في حالة الغدة الدرقية فإننا لا نلجأ للجراحة دائماً، فإذا كان بها ضعف في إفراز الهرمون ـ الذي يؤدي بمرور الزمن إلى زيادة في حجمها ـ فإن المريض يعطى علاجاً يكون عبارة عن حبوب ثايروكسين؛ للتعويض وإكمال النقص، فيضمر الورم، وترجع الغدة إلى وضعها الطبيعي.
وتختلف مدة العلاج من شخص إلى آخر تبعاً لحجم الورم، واستجابة الشخص المريض للعلاج، والذي يجب عليه تناوله باقي العمر.
أما فيما يتعلق بالتدخل الجراحي فإنه يتوقف على تشخيص الحالة، فإذا اتضح أن هنالك تضخمًا، وأن الورم كبير، فيفضل إزالته محافظة على شكل الإنسان؛ لأن الغدة الدرقية عندما تكبر تؤثر تأثيراً واضحاً على شكل الرقبة والوجه.
وإذا كان من نصيحة يمكن إفادة القارئ بها فإنها تتعلق بمرض السكري؛ لأنه من أكثر الأمراض تأثيراً على الإنسان، وهو في حالة ازدياد مطرد، وخصوصاً في عالمنا العربي، وينبغي أن يهتم الإنسان بالأشياء التي تجنبه ذلك المرض، أو حتى تقلل من حدوثه، ويكون ذلك بتقليل تناول السكر، والاهتمام بالنظام الغذائي بصورة عامة، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والمحافظة على الوزن الطبيعي للجسم.
أما في حالة حدوثه وإصابة الإنسان به فيجب اتباع إرشادات الطبيب، والالتزام بمراجعته، والمعرفة التامة بالعلاج، خصوصاً بعد أن توفرت الآن إمكانية التحليل في المنزل.